الحيض هو ظاهرة جسدية طبيعية ودورية، وهو جزء طبيعي من دورة جسد وحياة الفتيات والنساء. عادة ما يكون قدوم الحيض مؤشراًً للخصوبة والصحة، حيث أنه نزيفاً إيجابياً في جوهره (بعكس كل نزيفٍ آخر)، وهو عملية طبيعية وصحية تحدث في الجسد الأنثوي كل شهر. لكن الحيض هو أيضاً أحد أكثر الظواهر الجسدية إشكاليةً في مجتمعاتنا.
ثقافات عديدة في أنحاء العالم تتعامل مع الحيض بإعتباره من المحرمات والعار: كشيء قذر، كدم ذا رائحة سيئة، كظاهرة على من تمر بها أن تبتعد وتتجنب الإتصال بأشخاص اخرين، كشيء يجب إخفاؤه. أيضاً في مجتمعنا المتأثر من التوجهات والمفاهيم الدينية، نتعلم أن الحيض مُخجل ومن الطبيعي أن نخجل منه ولا نتحدث عنه في العلن. نتعلم أن نخاف من التسرب- ونكون مستعدات دائماً لنمنعه. وأن نخفيه عندما نمر به، أن نشعر به دون أن نظهره.
فتيات ونساء في سن الخصوبة في الثقافة الغربية يقضين ما يقارب الأسبوع في فترة الحيض كل شهر. أي أنهن يعانين من الحيض لمدة ربع حياتهن في فترة الخصوبة. لكن يجب أن نتذكر أنه عندما تمضي النساء والفتيات فترة طويلة كهذه مشغولات بالقمع والإخفاء، يتعلمن أن ليس الحيض هو المحرج والمخجل فقط ، بل أيضاً أجزاء من جسمهن كذلك.
فتيات ونساء يتعلمن إخفاء الحيض والخجل منه، من خلال منتجات ثقافية متنوعة: الأفلام، المسلسلات التلفزيونية، الكتب، المجلات النسائية وغيرها. إعلانات الفوط الصحية والسدادات القطنية تشجع ذلك أيضاً: فهي تعرض الدم كسائل أزرق ومعقًّم، يُسكب على الفوط الصحية أو يُمتص بسدادات قطنية بيضاء شاحبة، وتروج للفوط ك”مُطهر” لقذارة الحيض. ذلك بدلاً من أن تظهره بلونه الأصلي (الزهري، الأحمر أو البني) أو بنسيجه (الرفيع، السميك، الكتل). وهكذا نتعلم أن دم الحيض شيء قذر يجب أن نخفيه ونخجل منه.
في الواقع، تشير دراسة استقصائية أجريت في اسرائيل في كانون الثاني\ يناير 2020 من قبل العلامة التجارية النسائية Always (أولويز) من شركة Protecter & Gamble، بالتعاون مع جمعية المرأة وكيانها، إلى أن أكثر من 70% من الفتيات التي تتراوح أعمارهن بين 12 و14 عاماً يخجلون من حيضهن. بالإضافة لذلك، اتفقت حوالي نصف الفتيات المشاركات في الدراسة أن استخدام السائل الأزرق في الإعلانات ينبع من الخجل من الحيض.
نتائج الدراسة الإستقصائية تشير أن الحيض يثير مشاعر سلبية كبيرة لدى الفتيات في اسرائيل: حوالي 3 من كل 4 فتيات أشاروا أنهن يقرفن من الحيض. الغالبية العظمى من الفتيات (88%) اختاروا وصف الحيض بكلمة سلبية واحدة على الأقل مثل اشمئزاز، قرف، إحراج، وتوتر. في الواقع، شدة المشاعر السلبية التي يسببها الحيض كانت عالية جداً عند فتيات بعمر 12: فقط 27% من الفتيات وصفوا الحيض كشيء طبيعي، مقارنة ب55% من الفتيات بعمر 15. هذا يدل على أن الفتيات يذوتن الرسائل الإجتماعية والثقافية السلبية، التي تسبب الشعور بالقرف والخجل من الحيض. النتائج توافق ما يظهر من العمل الميداني في جمعية المرأة وكيانها مع الفتيات، في سن الحيض تقريباً.
لكن التغيير موجود بالفعل، في الدراسة كانت هناك أصوات تطالب بكسر حاجز الخجل: 43% من الفتيات اتفقوا أنه يجب تقديم الأمور كما هي، واستبدال السائل الأزرق في الإعلانات باللون الأحمر. أي أن ما يقرب من نصف الفتيات يعتقدن أن هناك حاجة ورغبة في التغيير. وقد أخذت شركة Protect & Gamble هذه الأمور على محمل الجد وأعلنت مؤخراً عن نيتها بتغيير لون السائل في الإعلانات من الأزرق إلى الأحمر- لتشجيع تصور الحيض باعتباره ظاهرة طبيعية ومرحب بها. وهذا يشكل مَعلماً مهماً ومشجعاً في الموقف الثقافي تجاه الحيض.
إذا كان الأمر كذلك، يبدو أن رياح التغيير بدأت تهب، وشيئاً فشيئاً، وخطوة بخطوة، سيختفي الخجل من الحيض. شيئاً فشيئاً سوف نكسر المحرمات والقيود!
* تم إجراء الدراسة الإستقصائية من قبل معهد استراتيجيات روشينك Rushink Strategies، بمشاركة 303 فتاة تتراوح أعمارهن بين 12 و15 عاماً.